ملاحقة التوك توك وحبس صنّاع المحتوى: حملة قمع أم حرب على الفقراء؟
شهدت مصر خلال الأسابيع الأخيرة موجة غير مسبوقة من الملاحقات الأمنية تستهدف في آنٍ واحد مركبات التوك توك وصنّاع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، في خطوات يرى نشطاء حقوقيون أنها تهدف إلى تشديد القبضة الأمنية على المجتمع وقمع أي مساحات للتعبير الشعبي، سواء في الشارع أو على الإنترنت.
"التوك توك".. وسيلة رزق تتحوّل إلى جريمة
الحملات الأمنية ضد سائقي التوك توك طالت آلاف المركبات في عدد من المحافظات، أبرزها القاهرة والجيزة والشرقية، تحت مبرّر "إزالة المظاهر العشوائية".
لكن أحمد حسن، عضو رابطة سائقي التوك توك بالجيزة، قال في تصريح: "الدولة لم توفّر أي بدائل لأصحاب التوك توك، واللي بيحصل عقاب جماعي للفقراء. كل يوم بنشوف عربيات بتتشال وغرامات بالمئات، كأنهم عايزين يقطعوا عيشنا".
الناشطة الحقوقية منى عزت اعتبرت أنّ هذه الحملات ليست مجرد ضبط مرور، بل جزء من سياسة طبقية واضحة، وقالت: "ما نراه الآن ليس تنظيمًا للشارع، بل طردًا منه للفقراء. التوك توك هو وسيلة النقل الأساسية في المناطق الشعبية، ومصادرته بهذا الشكل يعني تجويع آلاف الأسر".
صنّاع المحتوى.. من منصة الترفيه إلى قفص الاتهام
في موازاة هذه الإجراءات، تتسع دائرة الاعتقالات بحق صُنّاع المحتوى على منصات مثل "تيك توك" و"يوتيوب".
الاتهامات المعتادة تدور حول "خدش الحياء" و"الإخلال بالقيم الأسرية"، وهي تهم وصفتها الناشطة القانونية إيمان عبدالمجيد بأنها "نصوص مطاطة تُستخدم لإسكات أي صوت لا يرضي السلطة".
وأضافت عبدالمجيد: "القانون أصبح أداة رقابة لا أداة حماية. ما يجري الآن يخلق رقابة ذاتية خانقة، ويُفرغ الإنترنت من أي مضمون نقدي أو حتى ساخر".
أما أحمد فؤاد، الباحث في حرية الإعلام، فقال: "الخطاب الأخلاقي الذي تستخدمه الدولة لتبرير هذه الحملات هو واجهة لسيطرة سياسية. الدولة تريد إعادة تشكيل المجتمع بالقوة وفق نموذج واحد من الطاعة".
قضية محمد وليد.. مأساة تختصر المشهد
قضية محمد وليد، الشاب المعاق الذي حُبس احتياطيًا 45 يومًا بتهمة "قيادة جماعة إرهابية"، أثارت موجة غضب بين النشطاء .
أمس قررت محكمة الجنايات استمرار حبس الطفل محمد وليد، ٤٥ يوما علي ذمة تحقيقات القضية رقم ٢٨٠٦ لسنة ٢٠٢٤ أمن دولة، بتهمة تولي قيادة بجماعة إرهابية وتمويل الإرهاب.
— Nabeh Elganadi (@ElganadiNabeh) August 19, 2025
بوست سابق فيه حالة محمد الصحية : https://t.co/FW5kDHjuAc pic.twitter.com/D6yGzfkXHu
أحمد صبحي، محامٍ متطوع في قضايا الحريات، علّق على الأمر قائلًا: "ما حدث مع محمد وليد يوضح أن الحبس الاحتياطي تحوّل من إجراء استثنائي إلى عقوبة جاهزة. من غير المعقول أن يُتهم شاب قصير القامة ومعاق جسديًا بقيادة تنظيم إرهابي. هذه مأساة قانونية وأخلاقية".
الأخلاق كسلاح سياسي
النشطاء يحذّرون من أن توظيف خطاب الأخلاق في مواجهة المحتوى الرقمي يشكّل خطرًا على الحريات العامة.
سلمى عبدالقادر، ناشطة في مجال حقوق المرأة، قالت" :منذ سنوات والدولة تستخدم تهمة خدش الحياء كوسيلة لإخضاع النساء وصنّاع المحتوى. بدلًا من النقاش المجتمعي، نرى القبضة الأمنية هي الحل الوحيد".
فما يجري اليوم ليس تنظيمًا مروريًا ولا حماية للقيم، بل هندسة اجتماعية قسرية، تضرب في عمق الحق في العمل وحرية التعبير. بين مصادرة التوك توك وتجريم الضحك على الإنترنت، يبدو أن السلطة اختارت الطريق الأسهل: إخضاع المواطن، وإسكاته أينما كان
تعليقات
إرسال تعليق